انك لاتنزل النهر مرتين
- هراقليطس -
عبارة شهيرة جاءت على لسان هذا الفيلسوف عندما نظر إلى النهر فوجد مياه النهر تتحرك،
فكأنه يرى النهر ثعبان يزحف، ولكنه كان يراه يتحرك ..!!
أي أن النهر الذي نزل فيه قد تغيّر وتبدل في ثوانٍ وأصبح نهراً آخر ..
- هذا من وجهة نظره -
فكل شيء في حالة تبدّل وتغيّر مستمر .. بما فيها نظرتنا للأمور وتوجّهاتها ..
فلا شيء ثابت .. وإن ثبت ذلك فإنه مرهونٌ بمدة زمنية أو بمعلومة معينة أو بانتماء معين ..!
ولكن في الآونة الأخيرة لاحظتُ أن الكثيرين افتقروا إلى كيفية التعبير عن هذه الحالة ..!!
فباتوا يفتقرون إلى لغة الحوار .. أصولها وفنونها ..
فما إن يبدأ أي نقاش بالطرح حتى تتعالى الأصوات وبالتالي الألفاظ ومن ثم الانسحاب أو الغضب أو التعصّب ..
و الحمدلله أن هذا امرٌ نادر الحدوث في منتدياتنا هذه، لأن هدفنا الأول والأخير هو المحافظة على الودّ والإحترام بيننا قدر الإمكان،
لأنه إن حصل - وقدّر الله وماشاءَ فَعل - خلاف من هذا النوع .. فإننا سنخسر اشخاصاً كانوا في يوم ما أعزّ إخوة وأغلى أصدقاء
وعندها لا نملك أيّ وسيلة لجلبهم أو استرجاعهم .. أو لربما طلب السماح منهم ..
حيث أن المكان الذي يجمعنا هو مكان افتراضي لم يسمح لنا بتبادل العناوين إلّا ماندر
ولكن هذا امرٌ بات في الآونة الأخيرة كثير الحدوث مما أصبح يقلقني ويثير مخاوفي ..
ليس قلقاً ولا خوفاً على نفسي .. بل على ما آلات إليه أوضاعنا النفسية والخُلقية ..
فخُلقنا بات ضيّقاً ولا يتسع لسماع الآخرين ووجهات نظرهم واحتوائهم .. مما أدى إلى اضطراب نفسياتنا
وتزعزعها وبالتالي إثارة غضبنا المتبادل أو الإنزعاج كأقصى انفعال ..
وهذا بحدّ ذاته كفيل بشلّ الحركة الفكرية والإنتاجية ..!
المشكلة أننا لا نعترف بأننا مختلفون في الآراء ووجهات النظر،فكلٌ منّا وَضَع نصب عينيه رأي واحد ووجهة نظر واحدة،
وبات يُصارع من أجلها، على الرغم من أنه هناك أمور ومواضيع نسبية تحتمل أي وجهة نظر قد تُطرح
بل انه حتى من شأنها اثراء الموقف او الفكرة وبالتالي الزيادة في العلم والخبرة .. خبرة اجتماعية .. سياسية .. فلسفية .. أياً كانت ..!!
فنحن مختلفون في الإحساس ..
وفي القدرة على التعبير ..
وفي التعامل مع الأمور ..
ومختلفون في دلالة الأشياء وعلاقتها بالأشخاص وصِلَتنا نحن بكل ذلك ..
فمثلاً اذا كان الذي نكتبه شِعراً، فالخلافات هائلة حيث اننا لانحتكم سوى للمشاعر .. فلا نستدعي العقل انما نستسلم للوجدان
ولكلٍ منّا وجدان شكّلته تجاربه الخاصة وأحاسيسه
وإن كان ما نتحدث عنه تحليل سياسي .. فسأضع الحق مع حزبي .. وسأراه هو الصواب ..
وإلّا لما كنتُ انتسبت إليه أصلاً إلّا لمدى اعتقادي الشديد بصدقه وأفضليته ..
في حين أنت ترى ذلك في حزب آخر أو مذهب آخر تنتمي إليه..!
لذلك إذا لم تجد منّي ما تتوقعه .. فهذا لايعني أننا مختلفان ..!!
لأننا لسنا متساوون ولا متشابهون ..
ولكن يكفي أن أكون صادقة معكَ وانت صادقاً معي .. وأن أحترم نفسي وأحترمك .. وأن تحترم أنت أيضاً نفسك فتحترمني ..
عندها ستفيدني بما عندك .. وأفيدكَ بما عندي .. وسيزيد إختلافنا هذا من ودّنا ومحبتنا .. وسيثري قضيتنا وانتماءاتنا كلٌ على حدة
كأن ترى انت الشيء أبيض فأراه أسود .. وأن يرى هو الكبير فتراه هي صغيراً
فخلافنا لابد أن يكون في الدرجة وليس ذلك بمعنى ان تكون الدرجات شاهقة أو سخيفة
وان كان كذلك .. فلابد أن يكون لكل رأي وجه من الصحة .. وأنّ هذا الإختلاف هو الحقيقة البحته .
وقد أحسن الفيلسوف الانجليزي ميل الوصف حين قال:
لو أن نملة وقفت على حجرٍ أسود كبير، في بناءٍ كبير، ولم تبرح هذا الحجر، فإنها سترى كل شيء
أسود، وستظن أن هذه هي طبيعة الأحجار، ولو أن نملة أخرى وقفت على حجرٍ أبيض لرأت أن
اللون الطبيعي للأحجار هو اللون الأبيض،
وهذه على حق إلّا قليلاً
وتلك على حق إلّا قليلاً
بينما البناء في الأصل يكون متكوّن من حجارة سوداء وبيضاء وحمراء وصفراء
ومنها جميعاً تكوّنت لوحة فنية جميلة، حققت انسجاماً واتساقاً في الألوان والأحجام.
فقد تكون أنت نملة .. وأنا نملة وهي نملة وهو نملة ..
وكلٌ منّا يقف على حجر بعيد عن الآخر
فالنظرية النسبية تقول: " كل شيء يجب أن يكون له إطار، والإطار ثابت، وبسبب هذا الثبات، نستطيع أن نحسب الحركة"
وكل واحد منّا له إطار، أو ربّما أُطر: إطار نظرة .. إطار فكر .. إطار ذوق .. إطار دين .. إطار جنس .. إطار طبقة
وفي داخل أطرنا نتحرك ونقول .. ونفكّر وبالتالي ننفعل ..!
وهذه الأُطر هي: الشخصية
فعند حدوث مثل هذه الخلافات يتحدّث كلٌ منّا عن شخصيته لا أكثر .. فإن الذي تتعالى حدّة صوته في هذه المواقف على الآخرين،
إنه لا يدافع عن المعلومة .. إنما يدافع عن إطار من هذه الأُطر ..
وبالتالي لا يعبّر سوى عن نفسه ..
وفي مثل هذه المواقف تتجلّى وتتضح الصور، فترى أولئك الأشخاص المتزينين بالعلم والمبدأ
يتحولون فجأة إلى وحوش شرسة .. وأحيانا إلى أولاد شوارع
فمنذ أيام تجادل إثنان في قاعة المحاضرة، فإذا بأحدهما يقذف الآخر بأقرب شيءٍ أمامه،
والحمدلله انه كان مجرّد - كتاب - ليصيب وجه الآخر به ..
فما كان من الآخر إلّا التلفظ عليه بألفاظٍ نابية لا تليق أبداً بالمقام الذي اجتمعنا لأجله
ولا يزال الصراع مستمراً .. والمعلومة التي اختلفا بالأصل من اجلها ضاعت وتاهت في خِضم مسلسل الانتقام والثأر والتعصّب والهمجيّة ..!!
- هراقليطس -
عبارة شهيرة جاءت على لسان هذا الفيلسوف عندما نظر إلى النهر فوجد مياه النهر تتحرك،
فكأنه يرى النهر ثعبان يزحف، ولكنه كان يراه يتحرك ..!!
أي أن النهر الذي نزل فيه قد تغيّر وتبدل في ثوانٍ وأصبح نهراً آخر ..
- هذا من وجهة نظره -
فكل شيء في حالة تبدّل وتغيّر مستمر .. بما فيها نظرتنا للأمور وتوجّهاتها ..
فلا شيء ثابت .. وإن ثبت ذلك فإنه مرهونٌ بمدة زمنية أو بمعلومة معينة أو بانتماء معين ..!
ولكن في الآونة الأخيرة لاحظتُ أن الكثيرين افتقروا إلى كيفية التعبير عن هذه الحالة ..!!
فباتوا يفتقرون إلى لغة الحوار .. أصولها وفنونها ..
فما إن يبدأ أي نقاش بالطرح حتى تتعالى الأصوات وبالتالي الألفاظ ومن ثم الانسحاب أو الغضب أو التعصّب ..
و الحمدلله أن هذا امرٌ نادر الحدوث في منتدياتنا هذه، لأن هدفنا الأول والأخير هو المحافظة على الودّ والإحترام بيننا قدر الإمكان،
لأنه إن حصل - وقدّر الله وماشاءَ فَعل - خلاف من هذا النوع .. فإننا سنخسر اشخاصاً كانوا في يوم ما أعزّ إخوة وأغلى أصدقاء
وعندها لا نملك أيّ وسيلة لجلبهم أو استرجاعهم .. أو لربما طلب السماح منهم ..
حيث أن المكان الذي يجمعنا هو مكان افتراضي لم يسمح لنا بتبادل العناوين إلّا ماندر
ولكن هذا امرٌ بات في الآونة الأخيرة كثير الحدوث مما أصبح يقلقني ويثير مخاوفي ..
ليس قلقاً ولا خوفاً على نفسي .. بل على ما آلات إليه أوضاعنا النفسية والخُلقية ..
فخُلقنا بات ضيّقاً ولا يتسع لسماع الآخرين ووجهات نظرهم واحتوائهم .. مما أدى إلى اضطراب نفسياتنا
وتزعزعها وبالتالي إثارة غضبنا المتبادل أو الإنزعاج كأقصى انفعال ..
وهذا بحدّ ذاته كفيل بشلّ الحركة الفكرية والإنتاجية ..!
المشكلة أننا لا نعترف بأننا مختلفون في الآراء ووجهات النظر،فكلٌ منّا وَضَع نصب عينيه رأي واحد ووجهة نظر واحدة،
وبات يُصارع من أجلها، على الرغم من أنه هناك أمور ومواضيع نسبية تحتمل أي وجهة نظر قد تُطرح
بل انه حتى من شأنها اثراء الموقف او الفكرة وبالتالي الزيادة في العلم والخبرة .. خبرة اجتماعية .. سياسية .. فلسفية .. أياً كانت ..!!
فنحن مختلفون في الإحساس ..
وفي القدرة على التعبير ..
وفي التعامل مع الأمور ..
ومختلفون في دلالة الأشياء وعلاقتها بالأشخاص وصِلَتنا نحن بكل ذلك ..
فمثلاً اذا كان الذي نكتبه شِعراً، فالخلافات هائلة حيث اننا لانحتكم سوى للمشاعر .. فلا نستدعي العقل انما نستسلم للوجدان
ولكلٍ منّا وجدان شكّلته تجاربه الخاصة وأحاسيسه
وإن كان ما نتحدث عنه تحليل سياسي .. فسأضع الحق مع حزبي .. وسأراه هو الصواب ..
وإلّا لما كنتُ انتسبت إليه أصلاً إلّا لمدى اعتقادي الشديد بصدقه وأفضليته ..
في حين أنت ترى ذلك في حزب آخر أو مذهب آخر تنتمي إليه..!
لذلك إذا لم تجد منّي ما تتوقعه .. فهذا لايعني أننا مختلفان ..!!
لأننا لسنا متساوون ولا متشابهون ..
ولكن يكفي أن أكون صادقة معكَ وانت صادقاً معي .. وأن أحترم نفسي وأحترمك .. وأن تحترم أنت أيضاً نفسك فتحترمني ..
عندها ستفيدني بما عندك .. وأفيدكَ بما عندي .. وسيزيد إختلافنا هذا من ودّنا ومحبتنا .. وسيثري قضيتنا وانتماءاتنا كلٌ على حدة
كأن ترى انت الشيء أبيض فأراه أسود .. وأن يرى هو الكبير فتراه هي صغيراً
فخلافنا لابد أن يكون في الدرجة وليس ذلك بمعنى ان تكون الدرجات شاهقة أو سخيفة
وان كان كذلك .. فلابد أن يكون لكل رأي وجه من الصحة .. وأنّ هذا الإختلاف هو الحقيقة البحته .
وقد أحسن الفيلسوف الانجليزي ميل الوصف حين قال:
لو أن نملة وقفت على حجرٍ أسود كبير، في بناءٍ كبير، ولم تبرح هذا الحجر، فإنها سترى كل شيء
أسود، وستظن أن هذه هي طبيعة الأحجار، ولو أن نملة أخرى وقفت على حجرٍ أبيض لرأت أن
اللون الطبيعي للأحجار هو اللون الأبيض،
وهذه على حق إلّا قليلاً
وتلك على حق إلّا قليلاً
بينما البناء في الأصل يكون متكوّن من حجارة سوداء وبيضاء وحمراء وصفراء
ومنها جميعاً تكوّنت لوحة فنية جميلة، حققت انسجاماً واتساقاً في الألوان والأحجام.
فقد تكون أنت نملة .. وأنا نملة وهي نملة وهو نملة ..
وكلٌ منّا يقف على حجر بعيد عن الآخر
فالنظرية النسبية تقول: " كل شيء يجب أن يكون له إطار، والإطار ثابت، وبسبب هذا الثبات، نستطيع أن نحسب الحركة"
وكل واحد منّا له إطار، أو ربّما أُطر: إطار نظرة .. إطار فكر .. إطار ذوق .. إطار دين .. إطار جنس .. إطار طبقة
وفي داخل أطرنا نتحرك ونقول .. ونفكّر وبالتالي ننفعل ..!
وهذه الأُطر هي: الشخصية
فعند حدوث مثل هذه الخلافات يتحدّث كلٌ منّا عن شخصيته لا أكثر .. فإن الذي تتعالى حدّة صوته في هذه المواقف على الآخرين،
إنه لا يدافع عن المعلومة .. إنما يدافع عن إطار من هذه الأُطر ..
وبالتالي لا يعبّر سوى عن نفسه ..
وفي مثل هذه المواقف تتجلّى وتتضح الصور، فترى أولئك الأشخاص المتزينين بالعلم والمبدأ
يتحولون فجأة إلى وحوش شرسة .. وأحيانا إلى أولاد شوارع
فمنذ أيام تجادل إثنان في قاعة المحاضرة، فإذا بأحدهما يقذف الآخر بأقرب شيءٍ أمامه،
والحمدلله انه كان مجرّد - كتاب - ليصيب وجه الآخر به ..
فما كان من الآخر إلّا التلفظ عليه بألفاظٍ نابية لا تليق أبداً بالمقام الذي اجتمعنا لأجله
ولا يزال الصراع مستمراً .. والمعلومة التي اختلفا بالأصل من اجلها ضاعت وتاهت في خِضم مسلسل الانتقام والثأر والتعصّب والهمجيّة ..!!